غزوة بدر الكبرى

غزوة بدر الكبرى

شهر رمضان شهر الجهاد .. . الجهاد بكل معانية وصورة وأشكاله .. جهاد للنفس , ومغالبة لها وقمع شهواتها .. جهاد للشيطان ووقف لألاعيبه وحيله وفساده , هكذا كان المسلمون الأولون في رمضان , لم يكن الصيام بجوعه وعطشه ومتاعبه ليمنعهم من حمل السيف وركوب الخيل وارتداء عدة القتال في سبيل الله . ويحدثنا التاريخ أن كبريات المعارك التي خاضها المسلمون وانتصروا فيها كانت في رمضان , واليوم نقف أمام ذكرى من ذكريات الجهاد , ومشهد من مشاهد النصر الذي حققه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم صائمون , نقف في خشوع وإجلال أمام غزوة بدر الكبرى التي تمر ذكراها في هذه الأيام , هذه الغزوة التي أخذت في تاريخ المعارك الإسلامية مكانة عالية , وتناولها المؤرخون وكتاب السيرة والوعاظ ورجال الدين باهتمام كبير وعناية فائقة .
فبالرغم من تلك الحركة الجهادية الواسعة التي شهدتها الساحة الإسلامية منذ أيام الإسلام الأولى إلى وقتنا الحاضر , وبالرغم من تعدد المعارك التي خاضها المسلمون ترسيخا لدينهم ودفاعا عن أوطانهم , فإن معركة بدر الكبرى ستظل نقطة بارزة مميزة وسط تلك المعارك البطولية الرائعة , وستظل ضوءا ساطعا منيرا يعطي الدروس في مختلف مجالات الحياة العسكرية والدينية والتشريعية .
كل منا يعرف إن قريش أخرجت المسلمين من مكة واستولت علي ديارهم والكثير من أموالهم ثم أخذت تدبر الوسائل للقضاء عليهم في مقرهم الجديد بالمدينة المنورة حتى لا يهددوا تجارتها , وحتى لا يستمروا في ذم ألهتهم .
وكانت لقريش قافلة تجارية عائدة من الشام فقرر المسلمون اعتراضها ليستردوا بعضا من أموالهم , فأرسل أبا سفيان قائد القافلة إلى قريش يطلب النجدة وفي الوقت نفسه غير طريق القافلة ونجت , ولكن خرجت قريش لإنقاذ تجارتها , ووقعت المعركة بين الطرفين في الطريق بين مكة والمدينة عند بئر بدر , وانتصر فيها المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم علي القوة الباغية التي يقودها أبو جهل , ولكن لغزوة بدر مميزات لم تتوفر لغيرها من المعارك منها:-
1) كانت غزوة بدر فاتحة الغزوات في تاريخ الإسلام , بل هي أم المعارك فهي أول تجربة جهادية يخوضها المسلمون من أجل دينهم , كانت امتحانا عمليا للدولة الإسلامية الناشئة . ولذلك فإن انتصارهم يعتبر فالا حسنا وبداية طيبة , ودعم معنوي رائع لخلية الإسلام الأولى في المدينة .
2) كان هذا النصر مصداقا لقوله تعالى : " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله " فالجيش الإسلامي قليل العدد 314 مجاهدا فقط قليل التموين بسيط السلاح , وجيش المشركين قرابة الألف مقاتل بعتادهم وسلاحهم وطغيانهم وحقدهم , ولكن كانت النتيجة انتصار القلة المؤمنة علي الكثرة الباغية , وتستقبل الأرض جبابرة صرعى من أمثال أبو جهل وأمية بن خلف وشيبة وعتبه أبناء ربيعه وغيرهم , وعلي يد من ؟ وعلي يد رجال كانوا مستضعفين في الأرض أمثال بلال بن رباح وعمار بن ياسر وزيد بن حارثه وعبدالله بن مسعود , بينهم وبين أعدائهم تفاوت في ميزان العرف الاجتماعي .
3) تميزت غزوة بدر بالتدخل الإلهي الصريح الواضح والدعم الرباني للمسلمين الذي عبر عنه القرآن تعبيرا واضحا لا غموض فيه , فقد تدخلت قدرة الله في سير المعركة ممثلة في الألاف من الملائكة, بل إن بعض المفسرين يؤكدون تدخل القدرة الإلهية ذاتها في قوله تعالى : " وإذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين أمنوا " معكم حقيقة وليس كلاما , ويقطعون الشك في هذا من خلال قوله تعالى : " فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " هذا إعجاز فالله سبحانه نصر رسله علي عاد وثمود وفرعون بالغرق والصواعق والرياح والزلازل ولكنه لم يتدخل بذاته العلية إلا مع المسلمين في بدر .
4) أكدت غزوة بدر علي حرص الإسلام علي مبدأ التطوع للقتال دون إكراه أو إجبار , وأكدت أهمية الاقتناع الشخصي والشعور الذاتي في تحقيق النصر , لذلك نجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه في مدى استعدادهم للحرب معه خاصة الأنصار.
5) لم يستعمل الرسول عليه الصلاة والسلام التعبئة المعنوية المبالغ فيها التي تعتمد علي عنصر التفخيم والتضخيم وغياب الحقائق , بل أعطاهم الصورة كما هي , لإن وضوح الرؤية وصدق المعلومات تجعل المقاتل يثق فيما يصدر إليه من أوامر و يعرف أين يضع قدميه.
6) رسمت هذه المعركة مبدأ الشورى , فقد روى أن الرسول عليه الصلاة والسلام نزل منزلا بعيدا عن الماء فسأله الحباب بن المنذر عما إذا كان هذا المنزل بأمر الله أم بتدبير من الرسول فقال صلى الله عليه وسلم بل بتدبير مني , فقال الحباب لماذا لا ننزل علي الماء ونملأ الحوض قبل المعركة فنشرب ولا يشرب عدونا فأمر الرسول بذلك .
هذه معلومات حول غزوة بر الكبرى , واهم النقاط المستفادة منها لعلنا نستفيد منها في حاضرنا ومستقبلنا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته