تعليم السحر .
تعلم السحر .
حكم تعلم السحر وتعليم السحر .
حكم تعليم السحر .
حكم تعلم السحر الإخوة مشرفي وأعضاء وزوار ( منتدى غير شكل) حفظهم الله ورعاهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
( حكم تعلم السحر وتعليمه )
تمهيد :
إن السحر خطر عظيم وشر مستطير وآفة مدمرة وقد تبين معنا سابقا الآثار والنتائج الهدامة التي يحدثها السحر في المجتمعات الإسلامية ، ومن هذا المنطلق كان علاج الإسلام لهذه الظاهرة من منطلق الشمولية والوضوح الذي لا يشوبهما شائبة ، فوضع القواعد والأسس الصارمة للتعامل معها ، وجعل الكفر مصيرا ومآلا لمن يرتاد هذه الشرذمة من الناس ، بل قد جعل حد الساحر القتل وهو الراجح من أقوال أهل العلم ، وما كان ذلك إلا لمعالجة هذا الداء كي لا ينتشر بين الناس ويؤدي إلى ما يؤدي إليه من ضياع وتشتت وهدم للعقيدة من أساسها 0
قال الأستاذ سعد خلف العفنان : ( إن الخطوات الأولى في تعلم السحر هي ضرورة الانسلاخ من الإيمان ، فالإيمان والسحر نقيضان لا يتفقان أبداً ، والذي في قلبه ذرة من إيمان لا يمكن أن يمارس السحر ) ( حقيقة السحر – ص 93 ) 0
ومن هنا وقف علماء الأمة للدب عن العقيدة وحمايتها من كل ما يشوبها من الأدران والرواسب ، فقرروا دون خلاف حرمة تعلم السحر وتعليمه ، وأورد في ذلك بعض أقوال أهل العلم :
* قال الحافظ بن حجر في الفتح : ( وقد استدل بهذه الآية ؛ يعني آية : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 102 ) على أن السحر كفر ومتعلمه كافر ، وهو الواضح من بعض أنواعه التي قدمتها وهو التعبد للشياطين أو للكواكب ، وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر به من تعلمه أصلا ) ( فتح الباري - 10 / 224 ) 0
* قال ابن قدامة في حديث عمر – رضي الله عنه - : ( إذا ثبُت هذا – أي السحر وتعليمه حرام ، لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم 0 قال أصحابنا : ويُكفَّر الساحر بتعلّمه وفعله ، سواء اعتقد تحريمه أو إباحته ) ( المغني - 10 / 114 ) 0
* قال ابن كثير : ( وقد ذكر الوزير أبو المظفر يحيى بن هبيرة بن محمد بن هبيرة – رحمه الله في كتابه " الإشراف على مذاهب الأشراف " باباً في السحر فقال : أجمعوا على أن السحر له حقيقة إلا أبا حنيفة فإنه قال : لا حقيقة له ، واختلفوا فيمن يتعلَّم السحر ، ويستعمله ، فقال أبو حنيفة ومالك وأحمد : يكفًّر 0 ومن أصحاب أبي حنيفة من قال : إن تعلّمه ليتّقيه أو يجتنبه ، فلا يكفًّر ، ومن تعلمه معتقداً جوازه ، أو أنّه ينفعه ، كُفِّر 0 وكذا من اعتقد أنَّ الشياطين تفعل له ما يشاء ، فهو كافر 0 وقال الشافعي : إذا تعلَّم السحر ، قلنا : صِف لنا سحرك ، فإن وصف ما يوجب الكفر ؛ مثل ما اعتقده أهل بابل من التقرّب إلى الكواكب السبعة ، وأنَّها تفعل ما يُلتمسُ منها ، فهو كافر ، وإن كان لا يوجب الكفر ، فإن اعتقد إباحته ، فهو كافر ) ( تفسير القرآن العظيم – 1 / 148 ) 0
* قال النووي : ( وأما تعلم السحر وتعليمه ففيه ثلاثة أوجه : الوجه الأول وهو الصحيح الذي قطع به الجمهور أنهما حرامان 0 ويحرم تعلمه وتعليمه :
أ - لقوله تعالى : ( وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 102 ) فذمهم على تعلمه 0
ب - لأن تعلمه يدعو إلى فعله ، وفعله محرم ، فحرم ما يدعو إليه فإن علم أو تعلم ، واعتقد تحريمه لم يكفر ، لأنه لم يكفر بتعلم الكفر ، فلأن لا يكفر بتعلم السحر أولى ) ( المجموع – 19 / 240 ، 241 ) 0
قال ابن حجر : ( قال النووي : عمل السحر حرام ، وهو من الكبائر بالإجماع وقد عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات ، ومنه ما يكون كفرا ومنه ما لا يكون كفرا ، بل معصية كبيرة ، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كافر وإلا فلا وأما تعلمه وتعليمه فحرام ، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كفر واستتيب منه ولا يقتل ، فإن تاب قبلت توبته ، وإن لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر ) ( فتح الباري - 10 / 224 ) 0
قال أبو البقاء الحنفيّ : ( والصَّحيح من مذهب أصحابنا أنَّ تعلّمه – يعني السحر – حرام مطلقاً ؛ لأنه توسُّل إلى محظور ، عنه غنىً ، وتوقِّيه أصلح وأحوط ) ( الكلّيّات – ص 208 ) 0
قال الهيثمي : ( الصَّواب أنَّ التقرُّب إلى الروحانيّات ، وخدمة ملوك الجانّ من السحر ، وهو الذي أضلّ الحاكم العبيديّ لعنهُ الله ، حتى ادَّعى الألوهية ، ولعبت به الشَّياطين ، حتى طلب المحال ) ( الفتاوى الحديثية – ص 88 ) 0
قال البهوتي : ( ويحرم تعلم السحر وتعليمه وفعله لما فيه من الأذى 0ويكفر الساحر بتعلمه وفعله 0 سواء اعتقد تحريمه أو إباحته ) ( كشاف القناع – ص 186 ) 0
قال الذهبي : ( الساحر لا بد وأن يكفر- قال الله تعالى : ( وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْر َ ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 102 ) وما للشيطان الملعون غرض في تعليمه الإنسان السحر إلا ليشرك به ، قال الله تعالى مخبرا عن هاروت وماروت : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الأخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) ( سورة البقرة – جزء من الآية 102 ) ؛ أي من نصيب 0
فترى خلقا كثيرا من الضلال يدخلون في السحر ويظنونه حراما وما يشعرون أنه الكفر فيدخلون في تعليم الكيمياء وعملها وهي محض السحر ، وفي عقد الرجل عن زوجته وهو سحر وفي محبة الرجل للمرأة وبغضها له ، وأشباه ذلك بكلمات مجهولة أكثرها شرك وضلال ) ( الكبائر – ص 21 ) 0
قال أبو حيان في " البحر المحيط " : ( وأما حكم تعلّم السحر فما كان منه ما يعظّم به غير الله من الكواكب والشياطين وإضافة ما يحدثه الله إليها فهو كفر إجماعاً ولا يحل تعلمه ولا العمل به ، وكذا ما قصد بتعلّمه سفك الدماء والتفريق بين الزوجين والأصدقاء ، وأما إذا كان لا يعلم منه شيئا من ذلك بل يحتمل فالظاهر أنه لا يحل تعلّمه ولا العمل به ) ( تفسير البحر المحيط – 1 / 328 ) 0
قال الشيخ حافظ الحكمي – رحمه الله - : ( كل من تعلم السحر أو علمه أو عمل به يكفر ككفر الشياطين الذين علموه الناس ؛ إذ لا فرق بينه وبينهم ، بل هو تلميذ الشيطان وخريجه ، عنه روى وبه تخرج وإياه اتبع ولهذا قال تعالى في الملكين : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) فبين تعالى أنه بمجرد تعلمه يكفر سواء عمل به وعلمه أولا ) ( معارج القبول - 1 / 371 ) 0
* قال الشيخ الشنقيطي : ( والتحقيق هو الذي عليه الجمهور : هو أنه لا يجوز ، ومن أكثر الأدلة صراحة ذلك تصريحه تعالى 0 بأنه يضر ولا ينفع في قوله : ( وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ ) وإذا أثبت الله أن السحر ضار ونفى أنه نافع ، فكيف يجوز تعلم ما هو ضرر محض لا نفع فيه ) ( أضواء البيان – 4 / 462 ) 0
* سئل العلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله – عن صحة " تعلموا السحر ولا تعملوا به " ؟
فأجاب : ( هذا الحديث باطل لا أصل له ، ولا يجوز تعلم السحر ولا العمل به وذلك منكر بل كفر وضلال ، وقد بيّن الله إنكاره للسحر في كتابه الكريم في قوله تعالى : ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمـَا أُنـزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِـلَ هَـارُوتَ وَمَـارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى الأخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *وَلَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ( سورة البقرة – الآية 102 ) 0
فأوضح سبحانه في هذه الآيات أن السحر كفر وأنه من تعليم الشياطين ، وقد ذمهم الله على ذلك وهم أعداؤنا ، ثم بين أن تعليم السحر كفر ، وأنه يضر ولا ينفع ، فالواجب الحذر منه ؛ لأن تعلم السحر كله كفر ، ولهذا أخبر عن الملكين أنهما لا يعلمان الناس حتى يقولا للمتعلم : إنما نحن فتنة فلا تكفر ، ثم قال : ( وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ ) ، فعلم أنه كفر وضلال ، وأن السحرة لا يضرون أحداً إلا بإذن الله 0
والمراد بذلك إذنه سبحانه الكوني القدري لا الشرعي الديني ؛ لأنه سبحانه لم يشرعه ولم يأذن فيه شرعاً بل حرمه ونهى عنه ، وبين أنه كفر ومن تعليم الشياطين كما أوضح سبحانه أن من اشتراه أي اعتاضه وتعلمه ليس له في الآخرة من خلاق ، أي من حظ ولا نصيب ، وهذا وعيد عظيم ، ثم قال سبحانه : ( وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) والمعنى باعوا أنفسهم للشيطان بهذا السحر ، ثم قال سبحانه : ( ولَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) ( سورة البقرة – الآية 103 ) و ، فدل ذلك على أن تعلم السحر والعمل به ضد الإيمان والتقوى ومنافٍ لهما ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ) ( مجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – 1 / 653 – 654 ) 0
سئل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين عن حكم تعلم السحر وتعليمه فأجاب – حفظه الله - : ( لا يجوز تعلمه ولا تعليمه ، حيث أن أغلب عمل السحرة على الاستعانة بالجن والشياطين ، ولأن الله ذكر أن الشياطين كفروا بتعليم السحر ، قال تعالى : ( وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ 000 ) وقد نقل ابن كثير في تفسير آية السحر من سورة البقرة عن الفخر الرازي أنه قال : إن العلم بالسحر ليس بقبيح ولا محظور ، اتفق المحققون على ذلك ، لأن العلم لذاته شريف ، ولعموم قوله تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ( سورة الزمر – الآية 9 ) ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة 00 الخ 0 ورد عليه ابن كثير بقوله : إن عنى أنه ليس بقبيح عقلاً فمخالفوه من المعتزلة يمنعون هذا ، وإن عنى أنه ليس بقبيح شرعاً ففي هذه الآية تبشيع لتعلم السحر ، وفي الصحيح " من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد " ( صحيح الجامع 5939 ) ، وفي السنن " من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر ، ومن سحر فقد أشرك " ( ضعيف الجامع 5702 ) 0 وقوله : ولا محظور اتفق المحققون على ذلك 0 كيف لا يكون محظورا مع ما ذكرناه من الآية والحديث ، واتفاق المحققين يقتضي أن يكون قد نص على هذه المسألة أئمة العلماء أو أكثرهم ، وأين نصوصهم ، ثم إدخاله علم السحر في عموم قوله تعالى : ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) ( سورة الزمر – الآية 9 ) فيه نظر ، لأن هذه الآية إنما دلت على مدح العالمين العلم الشرعي ، ولم قلت إن هذا منه ، ثم ترقيه إلى وجوب تعلمه بأنه لا يحصل العلم بالمعجز إلا به ضعيف ، بل فاسد ، لأن أعظم معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام هي القرآن الكريم الذي : ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ) ، ثم إن العلم بأنه معجز لا يتوقف على علم السحر أصلاً ، ثم من المعلوم بالضرورة أن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وعامتهم كانوا يعلمون المعجز ويفرقون بينه وبين غيره ، ولم يكونوا يعلمون السحر ولا تعلموه ولا علموه 0 انتهى ) ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) 0
* وقد صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد حول حديث : ( تعلموا السحر ولا تعملوا به ) :
بأن ذلك الحديث لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما نعلم ، بل هو خبر موضوع ) ( فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء – 1 / 368 ) 0
* قال صاحبا الكتاب المنظوم " فتح الحق المبين " : ( تعلم السحر كفر ، لأنه لا يتم إلا بالاستعانة بالشياطين والعبودية لها وتناول المحرمات واستخدام طرائق بدعية يعقلها الإنسان أحيانا وفي الغالب لا يعقلها 0
فلا يجوز لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتعلمه والأدلة على كفر الساحر كثيرة جدا ) ( فتح الحق المبين في علاج الصرع والسحر والعين – ص 168 ) 0
* قال الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله : ( نظراً لكثرة المشعوذين في الآونة الأخيرة ممن يدعون الطب ويعالجون عن طريق السحر ، أو الكهانة وانتشارهم في بعض البلاد واستغلالهم للسذج من الناس ممن يغلب عليهم الجهل – رأيت من باب النصيحة لله ولعباده أن أبين ما في ذلك من خطر عظيم على الإسلام والمسلمين لما فيه من التعلّق بغير الله تعالى ومخالفة أمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم 0
فأقول مستعيناً بالله تعالى : يجوز التداوي اتفاقاً ، وللمسلم أن يذهب إلى طبيب أمراض باطنية ، أو جراحية ، أو عصبية أو نحو ذلك ليشخص له مرضه ويعالجه بما يناسبه من الأدوية المباحة شرعاً ، حسبما يعرفه في علم الطب ، لأن ذلك من باب الأخذ بالأسباب العادية ولا ينافي التوكل على الله ، وقد أنزل الله – سبحانه وتعالى – الداء وأنزل الدواء عرف ذلك من عرفه وجهله من جهله ، ولكنه سبحانه لم يجعل شفاء عباده فيما حرّمه عليهم 0
فلا يجوز للمريض أن يذهب إلى الكهنة الذين يدّعون معرفة المغيبات ليعرف منهم مرضه ، كما لا يجوز له أن يصدقهم فيما يخبرونه به فإنهم يتكلمون رجماً بالغيب ، أو يستحضرون الجن ليستعينوا بهم على ما يريدون ، وهؤلاء حكمهم الكفر والضلال إذا ادّعوا علم الغيب ) ( تذكير البشر لخطر الشعوذة والكهانة والسحر – ص 15 – 16 ) 0
* تقول الدكتورة آمال يس عبدالمعطي البنداري المدرسة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بالقاهرة : ( بعد مناقشة المسألة يترجح أصحاب القول الأول والقائلين بتحريم تعلم السحر وتعليمه لا سيما إن عصر المعجزات قد انتهى حتى نقول إن تعلمه مباح ليتميز الحق من الباطل ، يضاف إلى هذا أن تعلم السحر يفضي إلى العمل به ، والسحر لا يصلح إلا للشر والضرر بالخلق والوسيلة إلى الشر شر فيكون حراماً 000 هذا والله أعلم ) ( السحر – أحكامه – الوقاية منه – علاجه – في ضوء الفقه الإسلامي – ص 103 ) 0
وقد وقفت على كلام غريب لأحمد عطية الله حيث يقول : ( لا يرى الفقهاء بأساً من العلم بفنون السِّحر ، لأن العلم في ذاته غير محظور ، بل حضَّ عليه القرآن والحديث ، فضلاً عن أنَّ هذا العلم ضروريّ للتفريق بين ما هو إعجاز إلهي وما هو شعوذة ، غير أنَّ اجتنابه أقرب إلى السلامة ) ( القاموس الإسلامي – منادة " سحر " ) 0
قلت : وهذا الكلام فيه نظر ، وهو مجانب للصواب ، ويشم منه ما لا يطيب ، وهو كلام قريب مما ذكره الفخر الرازي ، وقد رد ابن كثير على هذا الكلام ، كما تفضل فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين بالرد على هذا الكلام وتبيان فساد أصله ، ومن هنا فإني أدون بعض النقاط الهامة للرد على مثل هذا الكلام فأقول وبالله التوفيق :
1)- لم يرو عن أحد من فقهاء الأمة فيما أعلم ممن يقول بجواز تعلم فنون السحر وخفاياه ، وقد بينت آنفاً أقوال علماء الأمة الأجلاء في حكم تعلم السحر وتعليمه 0
2)- وقول الكاتب " لأن العلم في ذاته غير محظور " لا يؤخذ على إطلاقه ، فإن كان العلم من الذي ينتفع به ، ويتحقق من وراء تعلمه مصلحة شرعية عامة للمسلمين ، عند ذلك ينطبق الحكم على الوصف ، أما إن كان العلم المتعلَّم مما يضر ولا ينفع ولا يتحقق من ورائه أية مصلحة شرعية ، فلا يجوز تعلمه أو تعليمه بأي حال من الأحوال ، وهذا المفهوم الذي أشار إليه العلامة الشنقيطي – رحمه الله – حيث قال : ( وإذا أثبت الله أن السحر ضار ونفى أنه نافع ، فكيف يجوز تعلم ما هو ضرر محض لا نفع فيه ) ( أضواء البيان – 4 / 462 ) فما بالك والكلام يتعلق بتعلم السحر ودروبه وخفاياه ، والمسألة ها هنا لا تتعلق فقط بما يحدثه هذا العلم الشيطاني من ضرر على الفرد المسلم ، بل قد يتجاوز هذا الضرر المجتمع بأسره ويحدث ما يحدثه من خلل وهدم في دعائمه وركائزه وتقويض لأركانه ومقوماته ، والبحث الذي بين أيدينا يؤكد على ذلك بقوة ويؤصل هذا الأمر في النفوس والأفئدة 0
3)- أما قول الكاتب " بل حضَّ عليه القرآن والحديث " فيه افتراء على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد بينت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الإسلام وضع مسألة السحر في حجمها الطبيعي ، وتناولها بما تستحقه من الإيضاح والتبصير 00 تناولها تعريفاً وتشخيصاً ووقاية ، تعرض لها من جانب العرض وجانب الطلب ، فحارب السحرة ، وجعل حد الساحر القتل ، وعرض القرآن مسألة الملكين في قوله تعالى : ( وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ 000 ) إلى قوله تعالى : ( وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) ، لا يعني مطلقاً أن القرآن يحض على تعلم السحر وتعليمه ، بدليل قوله سبحانه وتعالى : ( إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ ) ، وهذا يؤكد أن النص القرآني يحدد المعالم الرئيسة لتعلم هذا العلم وأنه يقود حتماً للكفر بالله سبحانه وتعالى ، والنصوص الحديثية أكدت على هذا المفهوم ، ويمكن للقارئ الكريم مراجعة " أدلة السحر وتحريمه من السنة المطهرة " 0
4)- أما قول الكاتب " أنَّ هذا العلم ضروريّ للتفريق بين ما هو أعجاز إلهي وما هو شعوذة " فهو كلام غريب ، حيث أن الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر واضح المعالم لا يحتاج بأي حال من الأحوال لتعلم ما يقود للكفر وسخط الله سبحانه وتعالى ، فالمعجزة لا تكون إلا لنبي ، والكرامة لا تكون إلا لولي صالح ، والسحر لا يكون إلا لرجل فاجر باع نفسه وأهله للشيطان ، وكل إناء بما فيه ينضح ، وقد تكلمت في كتابي الموسوم ( الصواعق المرسلة في التصدي للمشعوذين والسحرة ) عن ذلك بشرح وإسهاب عن الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر فلتراجع 0
5)- لا بد من اليقين بالنسبة للقارئ الكريم أن تعلم السحر يفضي قطعاً للشرك أو الكفر بالله عز وجل ، ودون ذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال تعلم السحر على أصوله وفنونه وقواعده 0
6)- أعتقد جازما بأن من يطّلع على هذا الكتاب تترسخ لديه قناعة كاملة ، ويتأكد لديه بما لا يدع مجالاً للشك أن التفكير في السحر ودروبه وخفاياه يبعث النفس على التقزز والاشمئزاز ، فَأنّى لأحد أن يبيح هذا الأمر أو أن يقره 0
وبعد هذا العرض الشامل لأقوال علماء الأمة بخصوص حكم تعلم السحر وتعليمه ، يطرح السؤال التالي :
هل يقتضي التعليم والتعلم كفراً ؟
سبق القول من خلال سياق أقوال علماء الأمة الأجلاء بأن جمهور العلماء اتفقوا على تحريم السحر تعلماً وتعليماً إلا أنهم اختلفوا في تكفير الساحر على قولين :
القول الأول : يكفر الساحر بتعلم السحر وتعليمه سواء اعتقد إباحته
أو تحريمه ، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية ( نقل الطحطاوي عن الكمال بن الهمام ما نصه : " ونقل الكمال عن الأصحاب ومالك وأحمد إن الساحر يكفر بتعلمه وفعله سواء أعتقد تحريمه أو لا " – أنظر حاشية الطحطاوي على الدر المختار – 2 / 484 ، فتح القدير للكمال بن الهمام – 5 / 333 ) والمالكية ( عند المالكية : " يكفر بتعلم السحر أي مباشرته سواء كانت المباشرة من جهة تعلمه أو تعليمه أو عمله ، والمشهور إن تعلم السحر كفر وإن لم يعمل به ، قاله مالك لأنه قول يعظم به غير الله وتنسب إليه المقادير " – أنظر الشرح الصغير على أقرب المسالك للدردير – 4 / 433 ، الخرشي وحاشية العدوي بهامشه – 4 / 63 ) والحنابلة ( عند الحنابلة : " يكفر الساحر بتعلمه وتعليمه كاعتقاد حله ، وكفر أبو بكر الحنبلي الساحر بعمله السحر – انظر بتصرف " المبدع " – 9 / 188 ، المغني – 8 / 151 ) وهو رواية عن الإمام أحمد ، والشافعية ( المجموع شرح المهذب – 19 / 241 ) في حالة ما إذا علم أو تعلم السحر معتقداً إباحته مع العلم بتحريمه لأنه كذب الله ورسوله في خبره فيقتل كما يقتل المرتد ، ومعنى هذا أن الشافعية يكفرون من تعلم السحر مستحلاً له منكراً لتحريمه 0
القول الثاني : لا يكفر وبهذا قال الإمام أحمد في رواية ( المغني – 8 / 151 ، المبدع – 9 / 188 ) ثانية عنه وإلى القول بعدم التكفير ذهب الشافعية ( المجموع شرح المهذب – 19 / 241 ) في حالة ما إذا علم أو تعلم السحر واعتقد تحريمه وإلى عدم التكفير ذهب بعض أصحاب أبي جنيفة ( حاشية الطحطاوي – 2 / 485 ) فيمن تعلم السحر ليعلم حقيقته ويتوقى عنه لا ليستعمله 0
تقول الدكتورة آمال يس عبدالمعطي البنداري المدرسة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر بالقاهرة : ( القول في هذه المسألة بين أمرين ، ففريق يرى تكفير الساحر بتعلم السحر وتعليمه وإن لم يستعمله وفريق آخر يرى عدم تكفيره بالعلم به ولكن باستعماله 0
ولكن لما كان التعلم غالباً يدعو إلى الاستعمال كان من باب أولى القول بتكفير الساحر بتعلمه السحر وتعليمه سداً للذريعة ، حتى لا نفتح باباً للشر أمر الإسلام بإغلاقه ، وحكم بظواهر النصوص القرآنية والأحاديث النبوية بكفر معلمه ومتعلمه دون تفرقة بين من تعلمه فقط وبين من تعلمه ليمارسه لا سيما وأن السحر لا نفع فيه بل ضرره ضرر محض لهذا كان القول بتكفير الساحر بتعلم السحر وتعليمه أولى بالاعتبار ) ( السحر – أحكامه – الوقاية منه – علاجه – في ضوء الفقه الإسلامي – ص 109 ) 0
قلت : والراجح بل الصحيح في هذه المسألة أن السحر ينقسم إلى قسمين ، فالقسم الأول ما كان منه يعظم به غير الله من الكواكب والشياطين وإضافة ما يحدثه الله إليها ، وما قصد بتعلمه سفك الدماء والتفريق بين الزوجين والأصدقاء أو الجمع بينهما ، فهو كفر إجماعاً لا يحل تعلمه ولا العمل به 0
وأما النوع الثاني فهو الذي يعتمد على التحايل والتخييل والشعبذة ، فلا ينبغي تعلمه ولا العمل به ، ولا يصل فاعله إلى درجة الكفر ، والله تعالى أعلم 0
هذا ما تيسر لي أحبتي في الله ، سائلاً المولى عز وجل أن يقينا شر السحر والسحرة ، وأن يحفظنا بحفظه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :